فصل: فَصْلٌ فِي الِاسْتِسْقَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْفَرَائِضِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا شَرَعَ فِيمَا يَلِيهَا فِي الرُّتْبَةِ وَهُوَ الْوِتْرُ ثُمَّ فِيمَا يَلِيهِ وَهُوَ النَّفَلُ وَالْوِتْرُ بِالْكَسْرِ الْفَرْدُ وَبِالْفَتْحِ الْعَدَدُ وَيُقَالُ الْكَسْرُ لُغَةُ الْحِجَازِ وَالْفَتْحُ لُغَةُ غَيْرِهِمْ وَالنَّافِلَةُ عَطِيَّةُ التَّطَوُّعِ مِنْ حَيْثُ لَا يَجِبُ وَمِنْهُ نَافِلَةُ الصَّلَاةِ (الْوِتْرُ وَاجِبٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ فَأَدُّوهَا بَيْنَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ» وَالزِّيَادَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ بِالْأَدَاءِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يَفْدِ الْفَرْضِيَّةَ عَلَى مَا وَجَبَ الْعَمَلُ فَلِهَذَا وَجَبَ قَضَاؤُهُ وَإِنَّمَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ أَيْ لَا يُنْسَبُ إلَى الْكُفْرِ لِأَنَّهُ أَدْوَنُ دَرَجَةً مِنْ الْفَرِيضَةِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَفِي النِّهَايَةِ لَيْسَ فِي الْوِتْرِ رِوَايَةٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الظَّاهِرِ وَذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ أَيْ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ فَرْضٌ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ.
وَفِي التُّحْفَةِ ثُمَّ رَجَعَ، وَوَاجِبٌ، وَسُنَّةٌ وَوَفَّقَ الْمَشَايِخُ بَيْنَهَا بِمَا هُوَ فَرْضٌ عَمَلًا وَوَاجِبٌ اعْتِقَادًا وَسُنَّةٌ ثُبُوتًا (وَقَالَا سُنَّةٌ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وَالْوُسْطَى هُوَ الْفَرْضُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ فَرْضًا لَكَانَتْ الْفَرَائِضُ سِتًّا وَالسِّتُّ لَا وُسْطَى لَهَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ وَهِيَ لَكُمْ سُنَّةُ الْوِتْرِ وَالضُّحَى وَالْأَضْحَى» كَمَا فِي التَّسْهِيلِ لَكِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ لَا عَلَى عَدَمِ الْوَاجِبِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ بِهَا (وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ» رَوَاهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَدْنَاهَا رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَكْثَرُهَا إحْدَى عَشْرَ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَدْنَى الْكَمَالِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَثَانِيَةٌ بَعْدَ الثَّالِثَةِ.
(يَقْرَأُ) الْمُصَلِّي (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَتْرِ (الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً) بِلَا تَعْيِينٍ.
وَفِي الْكَرْمَانِيِّ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى}، وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}».
وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.
(وَيَقْنُتُ فِي ثَالِثَتِهِ دَائِمًا) فِي كُلِّ السُّنَّةِ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَلَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ (قَبْلَ الرُّكُوعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ» وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ شَيْءٍ أَخَّرَهُ (بَعْدَمَا كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ) يَعْنِي إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ رَافِعًا يَدَيْهِ ثُمَّ يَقْرَأُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ وَالْقُنُوتُ عِنْدَنَا اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنَسْتَهْدِيك وَنُؤْمِنُ بِك وَنَتُوبُ إلَيْك وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يُفْجِرُك اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ وَالْمَعْنَى يَا اللَّهَ نَطْلُبُ مِنْك الْعَوْنَ عَلَى الطَّاعَةِ وَنَطْلُبُ مِنْك الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِنَا وَنَطْلُبُ مِنْك الْهِدَايَةَ، وَنُؤْمِنُ بِك أَيْ بِجَمِيعِ تَفَاصِيلِهِ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ حَقَّ التَّوَكُّلِ، وَنُثْنِي مِنْ الثَّنَاءِ وَهُوَ الْمَدْحُ وَانْتِصَابُ الْخَيْرِ عَلَى الْمَصْدَرِ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِلثَّنَاءِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ كَقَوْلِهِمْ: أَثْنَى عَلَيَّ شَرًّا وَلَا نَكْفُرُكَ أَيْ لَا نَكْفُرُكَ نِعْمَتَكَ، وَنَخْلَعُ أَيْ نَطْرَحُ وَنَتْرُكُ وَيَتَوَجَّهُ الْفِعْلَانِ إلَى الْمَوْصُولِ مَنْ يَفْجُرُكَ أَيْ يُخَالِفُك، وَنَسْعَى مِنْ السَّعْيِ وَهُوَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ وَهُوَ التَّوَجُّهُ التَّامُّ وَنَحْفِدُ، بِالْكَسْرِ أَيْ نَعْمَلُ لَك بِطَاعَتِك، وَمُلْحِقٌ بِالْكَسْرِ أَيْ لَاحِقٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ: مُلْحِقٌ بِالْكُفَّارِ قَالَ الْمُطَرِّزِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى، وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ثَلَاثًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَبِي اللَّيْثِ أَوْ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْرَأُ مَعَهُ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنَا يَا رَبَّنَا شَرَّ مَا قَضَيْت فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ فَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ وَنَسْتَغْفِرُكَ اللَّهُمَّ وَنَتُوبُ إلَيْكَ {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}.
(وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ صَلَاةِ الْوِتْرِ عِنْدَنَا قَالَ الْإِمَامُ: الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ بِدْعَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ مَسْنُونٌ عِنْدَهُ فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ لِرِوَايَةِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا» وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ» وَالتَّرْكُ دَلِيلُ النَّسْخِ.
(وَيَتْبَعُ الْمُؤْتَمُّ) الْحَنَفِيُّ فِي الْقُنُوتِ إمَامًا شَافِعِيًّا (قَانِتَ الْوِتْرِ وَلَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ) وَكَذَا يَتْبَعُ السَّاجِدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ فِي السَّلَامِ إذَا سَلَّمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَلْ يُتِمُّ صَلَاتَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ (وَلَا يَتْبَعُ) الْمُؤْتَمُّ الْحَنَفِيُّ شَافِعِيًّا (قَانِتَ الْفَجْرِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَا اتِّبَاعَ فِي الْمَنْسُوخِ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يَقُولُ يُتَابِعُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَابَعَةُ وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ بِالشَّكِّ فَصَارَ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْحَنَفِيِّ بِالشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ كَمَا بُيِّنَ فِي فَصْلِ الْجَمَاعَةِ (بَلْ يَقِفُ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يَتْبَعُ (سَاكِتًا فِي) الْقَوْلِ (الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَشْرُوعٍ وَهُوَ الْقِيَامُ وَعَلَى غَيْرِ مَشْرُوعٍ وَهُوَ الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ فَمَا كَانَ مَشْرُوعًا يُتَابِعُهُ فِيهِ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ لَا وَقَيْدُ الْأَظْهَرِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ.
(وَالسُّنَّةُ قَبْلَ) فَرْضِ (الْفَجْرِ) لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الْوِتْرِ شَرَعَ فِي النَّوَافِلِ وَالنَّفَلُ أَعَمُّ مِنْ السُّنَّةِ مُؤَكَّدَةٍ وَغَيْرِ مُؤَكَّدَةٍ وَابْتَدَأَ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا أَقْوَى السُّنَنِ حَتَّى رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ لَوْ صَلَّاهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا تَجُوزُ.
وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» قَالُوا الْعَالِمُ إذَا صَارَ مَرْجِعًا لِلْفَتْوَى يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ سَائِرِ السُّنَنِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ وَتُقْضَى إذَا فَاتَتْ مَعَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ السُّنَنِ وَفِي الْبَحْرِ مَنْ أَنْكَرَ سُنَّةَ الْفَجْرِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ ابْتَدَأَ بِسُنَّةِ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ.
(وَبَعْدَ) فَرْضِ (الظُّهْرِ وَ) بَعْدَ فَرْضِ (الْمَغْرِبِ) فَالْأَفْضَلُ مَا لِلظُّهْرِ ثُمَّ الْمَغْرِبِ وَذَهَبَ الْحَلْوَانِيُّ إلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَدَعْ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ (وَ) بَعْدَ فَرْضِ (الْعِشَاءِ) تَأْخِيرُهَا يَدُلُّ عَلَى انْحِطَاطِهَا عَنْهُمَا (رَكْعَتَانِ) خَبَرُ السُّنَّةِ.
(وَ) السُّنَّةُ (قَبْلَ) فَرْضِ (الظُّهْرِ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا دُونَ الْعِشَاءِ كَمَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَقِيلَ: آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا بَعْدَ سَنَةِ الْفَجْرِ وَقِيلَ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ فِيهَا وَعِيدًا مَعْرُوفًا وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ تَرَكَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَلِذَا قِيلَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّعَلُّمِ.
وَفِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ رَجُلٌ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إنْ لَمْ يَرَ السُّنَنَ حَقًّا فَقَدْ كَفَرَ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ وَإِنْ رَأَى حَقًّا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ جَاءَ الْوَعِيدُ بِالتَّرْكِ.
(وَ) قَبْلَ (الْجُمُعَةِ) أَرْبَعٌ بِلَا خِلَافٍ (وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ) بِتَسْلِيمَةٍ فَلَوْ صَلَّى بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَمْ يُعَدّ مِنْ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ: بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ بَعْدَهَا سُنَّةٌ يُكْرَهُ لَهُ الْقُعُودُ بَعْدَهَا بَلْ يَشْتَغِلُ بِالسُّنَّةِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ مِقْدَارَ مَا يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ وَإِلَيْكَ يَعُودُ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» وَبِمَا نَقَلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالسُّنَّةِ أَوْرَادَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ مَا فِي الشُّمُنِّيِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْقُعُودِ الَّذِي لَا قِرَاءَةَ فِيهِ وَلَا ذِكْرَ تَدَبَّرْ.
وَفِي الْقُنْيَةِ: الْكَلَامُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا يُسْقِطُ السُّنَّةَ وَلَكِنْ يُنْقِصُ ثَوَابَهُ وَكُلُّ عَمَلٍ يُنَافِي التَّحْرِيمَةَ أَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَوْ الْأَكْلِ يُعِيدُ السُّنَّةَ أَمَّا بِأَكْلِ لُقْمَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ فَلَا.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ سِتٌّ) يُصَلِّي أَرْبَعًا وَبَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنَّا وَبِهِ يُعْمَلُ الْيَوْمَ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ بِتَسْلِيمَةٍ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أَرْبَعًا وَمَرَّةً سِتًّا جَمْعًا بَيْنَهُمَا.
(وَنُدِبَ) أَيْ حُبِّبَ (الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ أَوْ رَكْعَتَانِ) لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ لَكِنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْأَرْبَعِ أَظْهَرُ.
(وَالسِّتُّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) تُسَمَّى صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِشَيْءٍ عَدَلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ مَحْسُوبَةٌ مِنْ السِّتِّ لَكِنَّ فِي الْأَشْبَاهِ خِلَافَهُ تَتَبَّعْ.
(وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَقِيلَ أَرْبَعًا عِنْدَهُ وَرَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ.
وَفِي الْمُضْمَرَاتِ الْأَحْسَنُ أَنْ يُصَلِّيَ سِتًّا أَوْ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ ثَابَرَ أَيْ دَاوَمَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَهَذِهِ مُؤَكَّدَاتٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَقَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا لِهَذَا أَطْلَقَ عَلَيْهَا اسْمَ النَّدْبِ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ فِيهَا.
(وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِ) رَكَعَاتٍ (بِتَسْلِيمَةٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ لَا) أَيْ لَا تُكْرَهُ (فِي نَفْلِ اللَّيْلِ إلَى ثَمَانٍ) رَكَعَاتٍ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ إلَى أَرْبَعٍ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ إلَى ثَمَانٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ فِي تَهَجُّدِهِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ وَصْلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ.
وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا يُشْكِلُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي النَّهَارِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ (خِلَافًا لَهُمَا) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الثَّمَانُ فِي اللَّيْلِ مَكْرُوهَةً عِنْدَهُمَا كَمَا فِي النَّهَارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّافِلَةَ فِي اللَّيْلِ بِتَسْلِيمَةٍ إلَى ثَمَانٍ جَائِزَةٌ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ اتِّفَاقًا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ فِي الْكُتُبِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَزِيدُ بِاللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ بِهَذَا لَكِنْ لَا يُمْكِنُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ سِيَاقُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَقَالَا فِي اللَّيْلِ: الْمَثْنَى أَفْضَلُ تَتَبَّعْ (وَلَا تُزَادُ عَلَى الثَّمَانِ) فِي اللَّيْلِ (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (رُبَاعُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا رَوِيَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا وَكَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي الضُّحَى» (وَقَالَا فِي) نَفْلِ (اللَّيْلِ الْمَثْنَى أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الرَّكْعَتَانِ أَفْضَلُ فِيهِمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» لَكِنْ مَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ مَثْنَى شَفْعٌ لَا وَتْرٌ وَلَفْظُ النَّهَارِ فِي الْحَدِيثِ غَرِيبٌ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
(وَطُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّكَعَاتِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلِيَّةُ الطُّولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَصْرِ فَلَا يُفِيدُ مَا ادَّعَاهُ.
وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» وَلِأَنَّ السُّجُودَ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَالْعُبُودِيَّةِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ كَثْرَةَ الرَّكَعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ.
(وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ أَوْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَتَيْنِ بِالْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ تَعْيِينَهُمَا لِلْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فِيهِمَا وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ جَازَتْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إنْ سَهَا وَيَأْثَمُ إنْ عَمَدَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهَا هَهُنَا لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ مِنْ قَبْلُ عَلَى أَنَّ الْبَابَ بَابُ النَّوَافِلِ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِ الْفَرْضِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذِكْرَهُ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ وَكُلِّ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ تَدَبَّرْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُفْرَضُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ (وَكُلِّ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ) أَيْ الْقِرَاءَةُ تُفْرَضُ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَلِهَذَا قَالُوا: يَسْتَفْتِحُ فِي ثَلَاثَةٍ وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَزَادَ فِي الْفَتْحِ وَيُصَلِّي فِي كُلِّ قَعْدَةٍ قِيَاسُهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ فِي كُلِّ شَفْعٍ انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ السُّنَّةَ الرَّبَاعِيَةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِهَا مَعَ أَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ لَيْسَ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ بَلْ هِيَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلِهَذَا لَا يَسْتَفْتِحُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَلَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّفْلِ مَا لَيْسَ بِسُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ لَمْ يَتِمَّ أَيْضًا لِخُلُوِّهِ عَنْ إفَادَةِ حُكْمِ الْقِرَاءَةِ فِي السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ.
(وَيَلْزَمُ إتْمَامُ نَفْلٍ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا) حَتَّى لَوْ نَقَضَهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ.
(وَلَوْ) شَرَعَ (عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ) وَالِاسْتِوَاءِ كَمَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الْمُتُونِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَفِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فَلَا يَقْضِي لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَهُ الْإِتْمَامُ إذَا كَانَ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ، وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ صَوْنًا عَنْ الْبُطْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (لَا إنْ شَرَعَ ظَانًّا أَنَّهُ) أَيْ الشُّرُوعَ (وَاجِبٌ عَلَيْهِ) كَمَا إذَا شَرَعَ فِي الظُّهْرِ مَثَلًا يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَلَا الْقَضَاءُ عِنْدَ الْفَسَادِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ فَهِمْت مِمَّا سَبَقَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ نَفْلٌ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا فَهَاهُنَا صَرَّحَ بِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لَكِنَّ قَوْلَهُ قَصْدًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْ الشُّرُوعِ سَهْوًا كَمَا إذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ فَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَالتَّوْجِيهُ بِالتَّصْرِيحِ تَأَمَّلْ.
(وَلَوْ نَوَى أَرْبَعًا) أَيْ إذَا شَرَعَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ (وَأَفْسَدَ) فِي الشَّفْعِ الثَّانِي (بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ أَفْسَدَهَا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْقُعُودِ (قَضَى رَكْعَتَيْنِ) فَقَطْ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ.
(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقْضِي أَرْبَعًا لَوْ أَفْسَدَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقُعُودِ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ وَعَنْهُ رِوَايَتَانِ فِيمَا إذَا نَوَى سِتًّا أَوْ ثَمَانِيًا ثُمَّ أَفْسَدَهَا فِي رِوَايَةٍ يَقْضِي أَرْبَعًا.
وَفِي رِوَايَةٍ يَقْضِي جَمِيعَ مَا نَوَى.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا أَفْسَدَهَا بِمَا لَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ كَتَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا إذَا أَفْسَدَهَا بِالْكَلَامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَلْزَمُ عِنْدَهُ إلَّا رَكْعَتَانِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِ الشَّفْعَيْنِ بِالْآخَرِ بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ لِذَاتِهِ وَعَلَى هَذَا سُنَّةُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَقِيلَ: يَقْضِي أَرْبَعًا احْتِيَاطًا.
(وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ جَرَّدَ الْأَرْبَعَ عَنْ الْقِرَاءَةِ) أَيْ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ لَمَّا فَسَدَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا انْعَقَدَتْ لِأَجْلِهَا فَلَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَيَلْزَمُ قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ لِجَوَازِ صَلَاةِ الْأُمِّيِّ بِلَا قِرَاءَةٍ فَيَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي الْأَرْبَعِ فَيَلْزَمُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ لِإِفْسَادِهَا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ (أَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَحَسْبُ) أَيْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا وَقَضَاءُ أَرْبَعٍ عِنْدَهُ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ.
(وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ أَوْ تَرَكَهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ (فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ أَوْ إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ قَضَى رَكْعَتَيْنِ اتِّفَاقًا) أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَقْضِي الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَمْ تَبْطُلْ عِنْدَهُمْ أَصْلًا فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ فَسَادُ الثَّانِي بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ عِنْدَهُمَا كَمَا بَيَّنَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَقْضِيَ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ التَّحْرِيمَةَ لَكِنْ أَفْسَدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَطْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَاضِيًا لِلَّتِي لَمْ يَقْرَأْ إلَّا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَيَكُونُ الْمَقْضِيُّ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ.
(وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرَ أَوْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ قَضَى أَرْبَعًا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ أَصْلًا بِالتَّرْكِ وَقَدْ أَفْسَدَ الشَّفْعَيْنِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَيَقْضِي أَرْبَعًا.
(وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّهُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ يُوجِبُ فَسَادَ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُ فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ.
(وَلَوْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِيهِ) أَيْ فِي النَّفْلِ يَعْنِي إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي وَسَطِهَا (لَا تَبْطُلُ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ عِنْدَهُ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ فَتَكُونُ الْقَعْدَةُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْفَرْضِ فَتَفْسُدُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ الْقَعْدَةِ فَقَدْ جَعَلَهَا صَلَاةً وَاحِدَةً فَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَاصِلَةً كَمَا فِي الْفَرْضِ فَتَكُونُ وَاجِبَةً وَالْخَاتِمَةُ هِيَ الْفَرْضِيَّةُ وَلِذَا لَوْ صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ مِنْ النَّفْلِ غَيْرَ قَاعِدٍ إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ لَمْ تَفْسُدْ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْكَافِي.
(وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي مَكَان) مَثَلًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (فَأَدَّاهَا) أَيْ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ (فِي) مَكَان (أَدْنَى شَرَفًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي نَذَرَ فِيهِ (جَازَ) مَا أَدَّاهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْقُرْبَةُ فَيَبْطُلُ التَّعْيِينُ وَلَزِمَتْهُ الْقُرْبَةُ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا عَيَّنَ مِنْ الْمَكَانِ أَوْ فِي مَكَان أَعْلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ هَكَذَا فَيَلْزَمُ كَمَا الْتَزَمَ.
(وَلَوْ نَذَرَتْ) امْرَأَةٌ (صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي غَدٍ فَحَاضَتْ فِيهِ) أَيْ فِي الْغَدِ (لَزِمَهَا الْقَضَاءُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فِي يَوْمِ الْحَيْضِ وَلَنَا أَنَّ الْعِبَادَةَ تَلْزَمُهَا بِالنَّذْرِ وَالْحَيْضُ يَمْنَعُ الْأَدَاءَ لَا الْوُجُوبَ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَيَّدَ بِالْغَدِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ كَذَا يَوْمَ حَيْضِي لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ مَقْصُودَةٍ.
(وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا حَدِيثٌ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ ثُمَّ الْفَرْضَ وَهُمَا مِثْلَانِ وَكَذَا يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ الْفَرْضَ أَرْبَعًا وَهُمَا مِثْلَانِ وَكَذَا يُصَلِّي فَرْضَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ يُصَلِّي السُّنَّةَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ فَقَالَ: الْمُرَادُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ نَافِلَةً رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَانِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ بَلْ يَقْرَأُ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ حَتَّى لَا يَكُونَ مِثْلًا لِلْفَرْضِ فَيَكُونُ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ يَقْتَضِي الْفَرْضِيَّةَ وَلَئِنْ كَانَ مَشْهُورًا فَهُوَ مُؤَوَّلٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَنْ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: هَذَا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ وَقِيلَ: لَا يَقْضِي مَا أَدَّى مِنْ الْفَرَائِضِ بِوَسْوَسَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَلْ هُوَ كَلَامُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَتَّى ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
(وَصَحَّ النَّفَلُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) بِلَا كَرَاهَةٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَاعِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ» وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمَكْتُوبَةُ وَالْوَاجِبَةُ وَالْمَنْذُورَةُ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ وَالتَّرَاوِيحِ بِلَا عُذْرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّرَاوِيحَ تَجُوزُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ تَرْكُ أَصْلِ الْقِيَامِ فَتَرْكُ صِفَةِ الْقُعُودِ أَوْلَى جَوَازًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْتَبِي لِأَنَّ عَامَّةَ صَلَاةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ كَانَتْ بِالِاحْتِبَاءِ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ عُهِدَ مُشَرَّعًا فِي الصَّلَاةِ.
(وَلَوْ قَعَدَ بَعْدَمَا افْتَتَحَهُ قَائِمًا جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ.
(وَيُكْرَهُ لَوْ بِلَا عُذْرٍ) عِنْدَهُ (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ إلَّا بِعُذْرٍ) قِيَاسًا لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا فَكَذَا هَذَا.
(وَيَتَنَفَّلُ) أَيْ يَجُوزُ النَّفَلُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ النَّافِلَةِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ (رَاكِبًا) وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ بِنَفْسِهَا فَإِنْ سَيَّرَهَا الرَّاكِبُ لَا لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَمَلِ الْكَثِيرِ (خَارِجَ الْمِصْرِ) أَيْ فِي خَارِجِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ بِمُجَرَّدِ الْمُجَاوَرَةِ عَنْ الْعُمْرَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: قَدْرَ فَرْسَخَيْنِ وَقِيلَ: قَدْرَ مِيلٍ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسَافِرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ (مُومِيًا) أَيْ يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ (إلَى أَيْ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ يُومِئُ إيمَاءً» فَلَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ اشْتَرَطَ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يَأْخُذُوا بِهِ لِإِطْلَاقِ الْمَرْوِيِّ وَلَوْ افْتَتَحَ خَارِجَ الْمِصْرِ ثُمَّ دَخَلَ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَتَمَّهَا رَاكِبًا مَا لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَهُ وَقِيلَ: أَتَمَّهَا نَازِلًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ طَهَارَةَ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى السَّرْجِ أَوْ عَلَى الرِّكَابَيْنِ أَوْ الدَّابَّةِ لِأَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا.
(وَبَنَى بِنُزُولِهِ) يَعْنِي إذَا افْتَتَحَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي أَيْ يُوصِلُ مَا بَقِيَ إلَى مَا صَلَّى بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ (وَبِرُكُوبِهِ لَا يَبْنِي) يَعْنِي إذَا افْتَتَحَ نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ اسْتَقْبَلَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَدَّى أَكْمَلَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالثَّانِيَ أَدَّى أَنْقَصَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ مُوجِبَةٌ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

.فَصْلٌ (التَّرَاوِيحُ):

جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى إيصَالِ الرَّاحَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ الرَّكَعَاتُ الَّتِي آخِرُهَا التَّرْوِيحَةَ بِهَا كَمَا أَطْلَقُوا اسْمَ الرُّكُوعِ عَلَى الْوَظِيفَةِ الَّتِي تُقْرَأُ فِي الْقِيَامِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالرُّكُوعِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ مُنْكِرُهَا مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ « إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَنَّ لَكُمْ قِيَامَهُ» وَقَالَ «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» وَصَلَّى مَعَ الصَّحَابَةِ لَيْلَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعِ لَيَالِي كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَبَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ الْمُوَاظَبَةَ وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَصَلَّوْا بَعْدَهُ فُرَادَى إلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ثُمَّ أَقَامَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي زَمَانِهِ حَيْثُ أَمَرَ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ سَاعَدُوهُ وَوَافَقُوهُ وَأَمَرُوا بِذَلِكَ بِلَا نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ وَقَدْ أَثْنَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: نَوَّرَ اللَّهُ مَضْجَعَ عُمَرَ كَمَا نَوَّرَ مَسَاجِدَنَا وَقِيلَ: هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ.
(فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ) أَيْ وَقْتُ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ دُونَ الْوِتْرِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ أَنَّ الْعِشَاءَ صُلِّيَتْ بِلَا طَهَارَةٍ وَالتَّرَاوِيحَ بِطَهَارَةٍ أُعِيدَتْ التَّرَاوِيحُ مَعَ الْعِشَاءِ لَا الْوِتْرُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بُخَارَى إلَى أَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ لَا أَنَّهَا سُمِّيَتْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ (قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ) وَالْمُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَقِيلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوَتْرِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهَا إنَّمَا عُرِفَتْ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ وَقْتُهَا مَا صَلَّوْهَا فِيهِ وَهُوَ صَلَّوْهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ فَإِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَ الْوِتْرِ لَا يَكُونُ مِنْ التَّرَاوِيحِ وَلِهَذَا عَمَلُ النَّاسِ إلَى الْيَوْمِ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ وُجِدَتْ فِيهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا فَيَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ اخْتِيَارُ هَذَا لَا ذَاكَ تَتَبَّعْ.
(بِجَمَاعَةٍ) أَيْ إقَامَتُهَا بِالْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ فَمَنْ تَرَكَ التَّرَاوِيحَ بِالْجَمَاعَةِ وَصَلَّاهَا فِي الْبَيْتِ فَقَدْ أَسَاءَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَالصَّحِيحُ أَنَّ إقَامَتَهَا بِالْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ عَلَى وَجْهِ الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ كُلُّهُمْ الْجَمَاعَةَ أَسَاءُوا وَأَثِمُوا وَلَوْ أَقَامَهَا الْبَعْضُ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْهَا تَارِكُ الْفَضِيلَةِ، وَإِنْ صَلَّاهَا بِالْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ فَقَدْ حَازَ إحْدَى الْفَضِيلَتَيْنِ وَهِيَ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ دُونَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ.
(عِشْرُونَ رَكْعَةً) سِوَى الْوِتْرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَكْعَةً (بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ) فَكُلُّ شَفْعٍ بِتَسْلِيمَةٍ فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي وَسَطِ كُلِّ أَرْبَعٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَقَدْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ أَكْمَلَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُخَلِّ شَيْئًا مِنْ الْأَرْكَانِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ التَّوَارُثِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَانٍ فِي مُطْلَقِ التَّطَوُّعِ لَيْلًا فَلَأَنْ يُكْرَهُ هُنَا أَوْلَى انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ صَحَّحَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ الزِّيَادَةَ عَلَى ثَمَانٍ فِي اللَّيْلِ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا وَجَازَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنْهُمْ فَلَا تَلْزَمُ الْمُخَالَفَةُ تَدَبَّرْ (وَجَلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ بِقَدْرِهَا) أَيْ بِقَدْرِ أَرْبَعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِهَا وَلَوْ قَالَ: وَانْتِظَارٌ بِقَدْرِهَا لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ بَعْضَ أَهْلِ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ يُصَلُّونَ بَدَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بِالْخِيَارِ يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ لِأَنَّ التَّرَاوِيحَ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّاحَةِ فَيُفْعَلُ مَا قُلْنَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَمَّى.
(وَالسُّنَّةُ فِيهَا) أَيْ فِي التَّرَاوِيحِ مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةِ (الْخَتْمُ مَرَّةً) فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةِ عَشْرَ آيَاتٍ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَهُوَ الْخَتْمُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ فِي شَهْرٍ سِتُّمِائَةٍ وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَشَيْءٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْخَتْمِ مِقْدَارَهُ وَهُوَ يَحْصُلُ وَلَوْ كَانَ أَيَّامُ الشَّهْرِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّ الْقَرِيبَ لِلشَّيْءِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اسْتَحَبَّ الْخَتْمَ الْحَقِيقِيَّ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ رَجَاءً لِنَيْلِ الْقَدْرِ عِنْدَ اخْتِتَامِهِ لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَلَوْ خَتَمَ فِي التَّرَاوِيحِ فِي لَيْلَةٍ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ التَّرَاوِيحَ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِأَنَّهُ مَا شُرِعَتْ التَّرَاوِيحُ إلَّا لِلْقِرَاءَةِ وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ وَقِيلَ: آيَتَيْنِ مُتَوَسِّطَتَيْنِ وَقِيلَ: آيَةً طَوِيلَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ وَهَذَا أَحْسَنُ وَبِهَذَا أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ لِأَنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهَا وَقِيلَ: سُورَةُ الْإِخْلَاصِ وَقِيلَ: مِنْ سُورَةِ الْفِيلِ إلَى الْآخِرِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ.
وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ الْأَفْضَلُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَقْرَأَ بِمَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَنْفِيرِ الْقَوْمِ عَنْ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَبِهِ يُفْتَى (فَلَا يُتْرَكُ) الْخَتْمُ (لِكَسَلِ الْقَوْمِ) فَتُرِكَ لِغَيْرِ الْكَسَلِ وَهُوَ التَّثَاقُلُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَثَاقَلَ عَنْهُ وَلِذَا كَانَ مَذْمُومًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ لِأَنَّ الدَّعَوَاتِ لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُثْقِلُ عَلَيْهِمْ يَزِيدُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ أَنْ لَا يَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَسُنَّةٌ عِنْدَنَا وَلَا يَتْرُكُ السُّنَنَ لِلْجَمَاعَةِ كَالتَّسْبِيحَاتِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَيَأْتِي الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ بِالثَّنَاءِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ مِنْهَا.
(وَتُكْرَهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) لِزِيَادَةِ تَأَكُّدِهَا.
وَفِي الْخَانِيَّةِ أَدَاءِ التَّرَاوِيحِ قَاعِدًا اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَوَازِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ عُذْرٍ اعْتِبَارًا بِسُنَّةِ الْفَجْرِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ إلَّا أَنَّ ثَوَابَهُ يَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ.
(وَيُوتِرُ) أَيْ يُصَلِّي الْوِتْرَ (بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ) لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُوتِرُ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ وَالْجَمَاعَةُ فِي النَّفْلِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ فَالِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَهُ ذَلِكَ وَعَدَمُ الْجَمَاعَةِ فِي الْوِتْرِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتٍ تَتَعَذَّرُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فَإِنْ صَحَّ هَذَا قُدِحَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ فِي وِتْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْجَمَاعَةُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الِانْفِرَادُ فِي الْمَنْزِلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْفَتْحِ مَا يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ فَيَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ لِأَنَّهُ أَدَقُّ.
(وَالْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ الْمَنْزِلُ) أَيْ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لِبُعْدِهِ عَنْ الرِّيَاءِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَفْضَلُ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» (إلَّا التَّرَاوِيحَ) لِأَنَّهَا شُرِعَتْ فِي الْجَمَاعَةِ وَلَوْ تَرَكُوا الْجَمَاعَةَ فِي الْفَرْضِ لَمْ يُصَلُّوا التَّرَاوِيحَ بِجَمَاعَةٍ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى الْوِتْرَ بِهِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِرَمَضَانَ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلتَّرَاوِيحِ عِنْدَهُ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ بِالْجَمَاعَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا مِنْ التَّرَاوِيحِ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ صَلَّاهَا مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

.فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ:

أَيْ كُسُوفِ الشَّمْسِ فَإِنَّ لِلْقَمَرِ الْخُسُوفَ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ أَجْوَدُ الْكَلَامِ وَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كُسُوفِهَا وَخُسُوفِهَا يُحْمَلُ عَلَى التَّغْلِيبِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِي خَبَرِ النَّوَافِلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا مِنْهَا وَجَعَلَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ إشْعَارًا بِأَنَّهَا مُمْتَازَةٌ عَنْ النَّوَافِلِ بِعُرُوضِ أَسْبَابٍ سَمَاوِيَّةٍ نَادِرَةٍ (يُصَلِّي) فِي الْجَامِعِ أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ أَوْ مَسْجِدٍ آخَرَ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ (أَمَامُ الْجُمُعَةِ بِالنَّاسِ) أَيْ إمَامٌ لَهُ دَخْلٌ فِي إقَامَتِهِ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ مِثْلُ السُّلْطَانِ أَوْ مَأْمُورِهِ مِمَّنْ لَهُ إقَامَةٌ نَحْوُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ اجْتِمَاعٌ فَيُشْتَرَطُ هَذَا تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ كَالْجُمُعَةِ (عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ بِالنَّاسِ وَدَعَا حَتَّى انْجَلَتْ وَقَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْزَاعِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ أَوْ إلَى الدُّعَاءِ».
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ النَّاسُ إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذَا الْحَدِيثَ رَدًّا لِكَلَامِهِمْ لِأَنَّ كُسُوفَهَا مِنْ أَثَرِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ وَفِعْلِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ فَيَخْلُقُ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ مَتَى شَاءَ بِلَا سَبَبٍ وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ أَهْلِ الْهَيْئَةِ أَنَّ الْكُسُوفَ حَيْلُولَةُ الْقَمَرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ وَأَمْرٌ عَادٍ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَرَدَّ هَذَا الرَّدَّ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ الْأَشْيَاءَ بِالْأَسْبَابِ وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ (رَكْعَتَيْنِ) كَهَيْئَةِ النَّافِلَةِ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَتُؤَدَّى فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبَّةِ لَا الْمَكْرُوهَةِ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ) عِنْدَنَا لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَرَجَّحْنَا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ إذْ الْحَالُ أُكْشَفُ لِلرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ لِقُرْبِهِمْ.
(وَيُطِيلُ الْقِرَاءَةَ) يَعْنِي الْأَفْضَلُ أَنْ يُطِيلَ الْقِرَاءَةَ فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِقْدَارَ مِائَةِ آيَةٍ وَيَمْكُثُ فِي رُكُوعِهِ كَذَلِكَ فَإِذَا خُفِّفَتْ الْقِرَاءَةُ طُوِّلَ الدُّعَاءُ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ اسْتِيعَابُ الْوَقْتِ بِالصَّلَاةِ (وَيَخْفِيهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ لِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
(وَقَالَا يَجْهَرُ) لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَالتَّرْجِيحُ قَدْ مَرَّ.
وَفِي التُّحْفَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ، (ثُمَّ يَدْعُو) الْإِمَامُ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ مُسْتَقْبِلَ الْقَوْمِ بِوَجْهِهِ وَلَوْ قَامَ مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ لَكَانَ حَسَنًا (بَعْدَهُمَا حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ) لِمَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا وَالسُّنَّةُ تَأْخِيرُ الْأَدْعِيَةِ مِنْ الصَّلَاةِ.
(وَلَا يَخْطُبُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ كَمَا فِي الْعِيدِ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَلَنَا أَنَّهَا لَمْ تَنْقُلْ عَنْ غَيْرِهَا وَإِنْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ خُطْبَتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا كَانَتْ لِرَدِّ قَوْلِ مَنْ قَالَ: الشَّمْسُ كَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) الْإِمَامُ (صَلَّوْا) فِي مَسَاجِدِهِمْ (فُرَادَى) مُنَوَّنًا أَوْ غَيْرَ مُنَوَّنٍ جَمْعُ فَرْدٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا كَالْخُسُوفِ) كَمَا يُصَلُّونَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ فُرَادَى بِلَا جَمَاعَةٍ لِتَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ بِاللَّيْلِ أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ.
وَفِي التُّحْفَةِ يُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَقِيلَ: الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ فِيهِ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَلَا خُطْبَةَ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ لِلْخُسُوفِ كَمَا فِي الْكُسُوفِ (وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ) وَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِشَارِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ وَاَللَّهُ يُخَوِّفُ عِبَادَهُ لِيَتْرُكُوا الْمَعَاصِيَ وَيَرْجِعُوا إلَى طَاعَتِهِ الَّتِي فِيهَا فَوْزُهُمْ وَخَلَاصُهُمْ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ فِي الرُّجُوعِ إلَى رَبِّهِ الصَّلَاةُ.

.فَصْلٌ فِي الِاسْتِسْقَاءِ:

هُوَ مِنْ طَلَبِ السَّقْيِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ طُولِ انْقِطَاعِهِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْفَزَعِ إلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (لَا صَلَاةَ بِجَمَاعَةٍ فِي الِاسْتِسْقَاءِ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَسْقَى وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (بَلْ) هُوَ (دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} فَعَلَّقَ نُزُولَ الْغَيْثِ بِالِاسْتِغْفَارِ (فَإِنْ صَلَّوْا فُرَادَى جَازَ) عِنْدَهُ.
(وَقَالَا: يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعِيدِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ.
وَفِي الْخُجَنْدِيِّ مَعَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقُلْنَا فَعَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قِيلَ: بَيْنَ دَلِيلِهِ وَدَلِيلِهِمَا تَنَاقُضٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي دَلِيلِهِ: لَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَفِي دَلِيلِهِمَا رُوِيَ عَنْهُ الصَّلَاةُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَرْوِيَّ كَانَ شَاذًّا كَأَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ فَلَا تَنَاقُضَ.
(وَيَخْطُبُ بَعْدَهُمَا خُطْبَتَيْنِ كَالْعِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةً وَاحِدَةً) وَلَا خُطْبَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ عِنْدَهُ.
(وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ) لِأَنَّ التَّقْلِيبَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلَوْ قَلَبَ جَعَلَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ مِنْهُ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَيْسَرَ مِنْهُ عَلَى الْأَيْمَنِ وَهَذَا فِي الْمُدَوَّرِ وَأَمَّا فِي الْمُرَبَّعِ فَجَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ لِيَقْلِبَ الْحَالَ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ وَمِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ (وَيَقْلِبُ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ (الْإِمَامُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَفِي الْجَوْهَرَةِ عِنْدَهُمَا (وَيَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) مُتَتَابِعَاتٍ (فَقَطْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْهَا وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً لَابِسِينَ ثِيَابًا خَلِقَةً أَوْ مُرَقَّعَةً مُتَذَلِّلِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ كُلَّ يَوْمٍ وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَرَاضَوْنَ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ وَالشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَعِبَادُ اللَّهِ الرُّكَّعِ لَصَبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابَ صَبًّا».
(وَلَا يَحْضُرُهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلَّا فِي ضَلَالٍ} هَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ مَالِكٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَحْضُرُوا الِاسْتِسْقَاءَ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ قَدْ يُسْتَجَابُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَلَنَا أَنَّ الْكُفَّارَ أَهْلُ السَّخَطِ فَلَا يَصْلُحُ حُضُورُهُمْ وَقْتَ طَلَبِ الرَّحْمَةِ.

.بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الصَّلَوَاتِ فَرْضِهَا وَوَاجِبِهَا وَنَفْلِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَدَاءِ الْفَرْضِ الْكَامِلِ وَهُوَ الْأَدَاءُ بِالْجَمَاعَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ نَقْضَ الْعِبَادَةِ قَصْدًا وَبِلَا عُذْرٍ حَرَامٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ لِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ مِثْلُ الْإِكْمَالِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ نَقْضًا صُورَةً فَهُوَ إكْمَالٌ مَعْنًى كَهَدْمِ الْمَسْجِدِ لِتَجْدِيدِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْجَمَاعَةِ فَضِيلَةً عَلَى الِانْفِرَادِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً (مَنْ شَرَعَ فِي فَرْضٍ فَأُقِيمَ) ذَلِكَ الْفَرْضُ وَوَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ فَأُقِيمَتْ.
وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي تَفْسِيرِهِ: وَالضَّمِيرُ فِي أُقِيمَتْ يَرْجِعُ إلَى الْإِقَامَةِ كَمَا يُقَالُ ضَرْبُ الضَّرْبِ وَأَرَادَ بِالْإِقَامَةِ إقَامَةَ الْمُؤَذِّنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهَا شُرُوعُ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ لَا إقَامَةُ الْمُؤَذِّنِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَالرَّجُلُ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَيْسَ فِي إقَامَةِ ضَمِيرِ الْإِقَامَةِ مَقَامَ الْفَاعِلِ بِدُونِ الْوَصْفِ إشْكَالٌ فَإِنَّهَا مَفْعُولٌ بِهِ إذْ هِيَ اسْمٌ لِلْكَلِمَاتِ الْمَعْرُوفَةِ عَلَى أَنَّ سِيبَوَيْهِ أَجَازَ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى الْمَصْدَرِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِلَا وَصْفٍ انْتَهَى، أَقُولُ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ قَالَ ابْنُ الْخَرُوفِ شَارِحُ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ وَادِّعَاءُ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ فَاسِدٌ لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ لَا يُجِيزُ إضْمَارَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكَّدِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِسْنَادِ إلَيْهِ وَاَلَّذِي أَجَازَهُ سِيبَوَيْهِ هُوَ إضْمَارُ الْمَصْدَرِ الْمَعْهُودِ الْمَقْصُودِ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ يَنْتَظِرُ الْقُعُودَ قَدْ قَعَدَ بِنَاءً عَلَى قَرِينَةِ التَّوَقُّعِ أَيْ قَعَدَ الْقُعُودَ الْمُتَوَقَّعَ تَتَبَّعْ (إنْ لَمْ يَسْجُدْ) الشَّارِعُ (لِلْأُولَى يَقْطَعُ) بِالسَّلَامِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ رَاكِعًا وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(وَيَقْتَدِي) بِالْإِمَامِ فَلَوْ افْتَتَحَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ سَمِعَ الْإِقَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَقْطَعُ وَكَذَا الشَّارِعُ فِي الْمَنْذُورَةِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَلَا يَقْطَعُ فِي النَّفْلِ عَلَى الْمُخْتَارِ سَجَدَ أَوْ لَا إلَّا إذَا أَتَمَّ فِيهِ الشَّفْعَ.
(وَإِنْ سَجَدَ) لِلْأُولَى (وَهُوَ فِي) الْفَرْضِ (الرُّبَاعِيِّ يُتِمُّ شَفْعًا) بِأَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَيُسَلِّمُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ حَتَّى يَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ نَافِلَةً.
(وَلَوْ سَجَدَ لِلثَّالِثَةِ يُتِمُّ) لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْأَكْثَرَ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِلَا تَقْيِيدِهَا بِالسَّجْدَةِ قَطَعَ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ.
وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ قَائِمًا بِتَسْلِيمَةٍ وَكَذَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا) الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ وُجُوبُ الِاقْتِدَاءِ لِلنَّفْلِ وَلَا إلْزَامَ فِي النَّوَافِلِ أَصْلًا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ (إلَّا فِي الْعَصْرِ) لِأَنَّ النَّفَلَ بَعْدَهَا مَكْرُوهٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا.
(وَلَوْ) شَرَعَ (فِي الْفَجْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ) ثُمَّ أُقِيمَ (يَقْطَعُ) الشَّارِعُ.
(وَيَقْتَدِي) بِالْإِمَامِ (مَا لَمْ يُقَيِّدْ) الرَّكْعَةَ (الثَّانِيَةَ بِسَجْدَةٍ) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ أُخْرَى لَفَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لِوُجُودِ الْفَرَاغِ فِي الْفَجْرِ حَقِيقَةً وَفِي الْمَغْرِبِ حُكْمًا إذْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (فَإِنْ قَيَّدَ) الثَّانِيَةَ بِهَا (يُتِمُّ وَلَا يَقْتَدِي) لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَكَذَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةُ أَمَامِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْتَدِي فِي الْمَغْرِبِ وَيُسَلِّمُ مَعَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ رَابِعَةً بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا وَلَوْ اقْتَدَى فِيهِ لِفِعْلٍ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى كَمَا فِي الْكِفَايَةِ.
(وَلَوْ كَانَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ) سُنَّةِ (الْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ) لِلظُّهْرِ (أَوْ خُطِبَ) فِي الْجُمُعَةِ (يَقْطَعُ عَلَى شَفْعٍ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْفَرْضِ وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يُفَوِّتُ فَرْضَ الِاسْتِمَاعِ وَالْأَدَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.
(وَقِيلَ) إنَّهُ (يُتِمُّهَا) أَرْبَعًا وَصَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ بَلْ لِلْإِبْطَالِ صُورَةً وَمَعْنًى وَيَشْهَدُ لَهُمْ إثْبَاتُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَرْبَعِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
(وَكُرِهَ خُرُوجُهُ) أَيْ خُرُوجُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ لِأَجْلِ الطَّهَارَةِ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ (مِنْ مَسْجِدٍ أُذِّنَ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ (قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ مَا أُذِّنَ لَهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ «مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» (إلَّا) خُرُوجَ (مَنْ تُقَامُ بِهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى) بِأَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا أَوْ إمَامًا أَوْ الَّذِي تَتَفَرَّقُ جَمَاعَتُهُ بِغَيْبَتِهِ أَوْ تَقِلُّ لِأَنَّهُ تَرَكَ صُورَةَ تَكْمِيلٍ مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى.
وَفِي النِّهَايَةِ إنْ خَرَجَ لِيُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
(وَإِنْ صَلَّى) مَرَّةً (لَا يُكْرَهُ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ إنْ شَرَعَ) الْمُؤَذِّنُ (فِي الْإِقَامَةِ) فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا نَفْلًا لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا بِلَا عُذْرٍ، وَفِي غَيْرِهِمَا يَخْرُجُ وَإِنْ أُقِيمَتْ لِأَنَّهُ إنْ صَلَّى يَكُونُ نَفْلًا وَالنَّفَلُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا وَأَمَّا فِي الْمَغْرِبِ فَإِنَّ النَّافِلَةَ لَمْ تُشْرَعْ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا.
(وَمَنْ خَافَ فَوْتَ الْفَجْرِ بِجَمَاعَةٍ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ يَتْرُكُهَا) أَيْ السُّنَّةَ (وَيَقْتَدِي) لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ السُّنَّةِ وَمَا قِيلَ إنَّهُ يَشْرَعُ فِيهَا أَيْ فِي السُّنَّةِ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ ثُمَّ يَقْطَعُهَا فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَدْفُوعٌ وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَإِنْ رَجَا إدْرَاكَ رَكْعَةٍ) مِنْ الْفَرْضِ مَعَ الْإِمَامِ (لَا يَتْرُكُ) السُّنَّةَ (بَلْ يُصَلِّيهَا) أَيْ السُّنَّةَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعَ بَيْنَ فَضِيلَتَيْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَكِنْ يُصَلِّي السُّنَّةَ (عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ) وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ صَلَّاهَا فِي الشَّتْوِيِّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ وَبِالْعَكْسِ فِي الْعَكْسِ وَكُرِهَ خَلْفَ الصَّفِّ بِلَا حَائِلٍ وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّفِّ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ (وَيَقْتَدِي) بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِمَامِ.
(وَلَا تُقْضَى) سُنَّةُ الْفَجْرِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (إلَّا) حَالَ كَوْنِهِ (تَبَعًا لِلْفَرْضِ) بَعْدَ الطُّلُوعِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِيهَا تَبَعًا وَلَا يَقْضِيهَا مَقْصُودَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَقْضِيهَا لَا تَبَعًا وَلَا مَقْصُودَةً قِيلَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُقْضَى) إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرْضٍ (بَعْدَ الطُّلُوعِ) إلَى الزَّوَالِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَاهَا مَعَ الْفَرْضِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ فَيَبْقَى مَا وَرَائِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَيَّدَ بَعْدَ الطُّلُوعِ إلَى الزَّوَالِ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى قَبْلَ الطُّلُوعِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ بِالِاتِّفَاقِ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنَّ عِنْده لَوْ لَمْ يَقْضِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَوْ قَضَى لَكَانَ حَسَنًا وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى كَانَ نَفْلًا عِنْدَهُمَا سُنَّةً عِنْدَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَيَتْرُكُ سُنَّةَ الظُّهْرِ فِي الْحَالَيْنِ) أَيْ حَالَ إدْرَاكِ الظُّهْرِ وَعَدَمِهِ إذَا أَدَّاهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا بَعْدَ الْفَرْضِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: لَا يَقْضِيهَا (وَيَقْضِيهَا) أَيْ سُنَّةَ الظُّهْرِ (فِي وَقْتِهِ قَبْلَ شَفْعِهِ) أَيْ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الْفَرْضِ قِيلَ: هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْفَائِتَةِ أَوْلَى.
وَفِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ مَعَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُولَى فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا ضَرُورَةً فَلَا مَعْنَى لِتَفْوِيتِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا اخْتِيَارًا وَقِيلَ: الِاخْتِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ وَحُكْمُ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ بِكَوْنِهِ أَصَحَّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَنْوِي الْقَضَاءَ كَمَا قِيلَ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي بَعْدَ الْوَقْتِ لَا تَبَعًا وَلَا مَقْصُودَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي الْبَحْرِ وَحُكْمُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ كَاَلَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى.
(وَغَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ مِنْ السُّنَنِ (وَغَيْرُ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ وَالْوِتْرِ لَا يُقْضَى أَصْلًا) أَيْ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا وَحْدَهَا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا بِتَبَعِيَّةِ فَرَائِضِهَا إلَّا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: يَقْضِيهَا تَبَعًا لِقَضَاءِ فَرَائِضِهَا لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الدُّرَرِ.
(وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ لَمْ يُصَلِّهِ بِجَمَاعَةٍ) فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ فَلَوْ كَانَ صَلَّى مَعًا ثَلَاثًا فَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بَلْ بَعْضَهَا بِجَمَاعَةٍ وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا) وَفِي الْفَتْحِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ أَدْرَكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ وَأَحْرَزَ ثَوَابَهَا وِفَاقًا لِصَاحِبَيْهِ لَا كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُحْرِزُ فَضْلَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَسَبَبُ تَخْصِيصِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ التَّنْبِيهُ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الزَّعْمِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمَسْبُوقَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى أَقُولُ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَلِهَذَا اُرْتُكِبَ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَكَأَنَّهُ صَلَّى الْمُقْتَدِي جَمِيعَ الرَّكَعَاتِ مَعَ الْإِمَامِ.
(وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا) صَلَّى فِيهِ (وَلَمْ يُدْرِكْ جَمَاعَةً يَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْفَرْضِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ) فَإِنْ خَافَ لَا يَتَطَوَّعُ قَبْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا فَفِي الْأَوَّلِ يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ وَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا مَعَ الْإِمْكَانِ.
وَفِي الثَّانِي الْجَوَابُ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَأَصَحُّ فَإِنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لَكِنْ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ يَتْرُكُ السُّنَّةَ وَيُؤَدِّي الْفَرْضَ حَذَرًا عَنْ التَّفْوِيتِ وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى الرَّوَاتِبِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ يَتَخَيَّرُ فِيهِ مُطْلَقًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
(وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ) حَالَ كَوْنِهِ (رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ) الْإِمَامُ (رَأْسَهُ لَمْ يُدْرِكْ) تِلْكَ (الرَّكْعَةَ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقِفْ بَلْ انْحَطَّ فَرَفَعَ الْإِمَامُ مِنْهُ قَبْلَ رُكُوعِ الْمُقْتَدِي لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِفَوْتِ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ الْمُسْتَلْزِمُ لِفَوْتِ الرَّكْعَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: إنَّهُ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ (وَمَنْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ) وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ (فَأَدْرَكَ إمَامَهُ فِيهِ) أَيْ الرُّكُوعِ (صَحَّ رُكُوعُهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ الرُّكْنِ وَقَدْ وُجِدَ لَكِنْ كُرِهَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْكَعُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَيَرْفَعُ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ بِرَأْسِ الْحِمَارِ».
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعَدَّ الرُّكُوعُ لِأَنَّ مَا أُتِيَ قَبْلَ الْإِمَامِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَذَا مَا بُنِيَ عَلَيْهِ.

.بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ:

لَا يَخْفَى عَلَيْك حُسْنُ تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ عَنْ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ قِيلَ: الْأَدَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَالْقَضَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ مَقَامَ الْأُخْرَى وَقِيلَ: يَجِبُ الْقَضَاءُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَقِيلَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَفِيهِ بَحْثٌ قَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (التَّرْتِيبُ) عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا وَعَنْ الْحَسَنِ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَجِبْ وَبِهِ أَخَذَ الْأَكْثَرُونَ (بَيْنَ الْفَائِتَةِ) فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا.
(وَالْوَقْتِيَّةِ) وَكَذَا (بَيْنَ الْفَوَائِتِ شَرْطٌ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَصْلًا لَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَلَا بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ جَوَازُهُ عَلَى جَوَازِ غَيْرِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» فَإِنْ قِيلَ الْكَلَامُ فِي فَرْضِيَّةِ التَّرْتِيبِ وَالْحَدِيثُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ قُلْنَا: هُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ اعْتِقَادًا حَتَّى لَا يُكَفَّرَ جَاحِدُهُ وَلَكِنَّهُ وَاجِبٌ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ وَمِثْلُهُ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمَا أَخَّرَ الْمَغْرِبَ الَّتِي يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا لِأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» (فَلَوْ صَلَّى) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ (فَرْضًا) حَالَ كَوْنِهِ (ذَاكِرًا فَائِتَةً فَسَدَ فَرْضُهُ مَوْقُوفًا عِنْدَهُ) لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى بَعْدَهُ سِتَّ صَلَوَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَقْضِ الْفَائِتَةَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَوْ قَضَى الْفَائِتَةَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ سِتَّةُ أَوْقَاتٍ بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَانْقَلَبَ نَفْلًا (وَعِنْدَهُمَا) فَسَدَ فَرْضُهُ فَسَادًا (بَاتًّا) أَيْ قَطْعِيًّا لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَسَدَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَانْقَلَبَ نَفْلًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَصْلُ الصَّلَاةِ.
(فَلَوْ قَضَاهَا) أَيْ الْفَائِتَةَ (قَبْلَ أَدَاءِ سِتٍّ) مِنْ الصَّلَوَاتِ (بَطَلَتْ فَرْضِيَّةُ مَا صَلَّى) بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ تَصِيرُ نَفْلًا وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ أَصْلُهَا كَمَا بَيَّنَ آنِفًا.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْفَائِتَةَ حَتَّى أَدَّى سَادِسًا (صَحَّتْ عِنْدَهُ) لِأَنَّ الْكَثْرَةَ صِفَةٌ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِذَا ثَبَتَتْ صِفَةٌ اسْتَنَدَتْ إلَى أَوَّلِهَا بِحُكْمِهَا وَهُوَ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ فِي آحَادِهَا كَمَا سَقَطَ فِي أَعْيَانِهَا وَهَذَا كَمَرَضِ الْمَوْتِ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ بِاتِّصَالِهِ بِالْمَوْتِ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِهِ بِحُكْمِهِ.
وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَنْ فَاتَتْهُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ وَفَسَادَ صَلَاتِهِ بِدُونِهِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْكُلِّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْعَبْدَ يُكَلَّفُ بِمَا عِنْدَهُ (لَا عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ حُكْمُ الْكَثْرَةِ وَكُلُّ مَا هُوَ حُكْمُ الْعِلَّةِ يَتَأَخَّرُ عَنْ عِلَّتِهِ فَسُقُوطُ التَّرْتِيبِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الْكَثْرَةِ لَا فِيمَا قَبْلَهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ.
وَقَالَ صَاحِبُ مِنَحِ الْغَفَّارِ وَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ: ثُمَّ الْعَصْرُ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا أَيْ لِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ حَتَّى لَوْ صَلَّى خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمُسْقِطَةِ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا وَإِذَا صَلَّى خَمْسًا وَخَرَجَ وَقْتُ الْخَمْسَةِ صَارَتْ الصَّلَوَاتُ سِتًّا بِالْفَائِتَةِ الْمَتْرُوكَةِ أَوَّلًا وَعَلَى مَا صَوَّرَهُ يَقْتَضِي أَنْ تَصِيرَ الصَّلَوَاتُ سَبْعًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ انْتَهَى، أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ تَأْكِيدُ خُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْمُؤَدَّيَاتِ لَا أَدَاءِ السَّادِسَةِ وَيُؤَيِّدُهُ سِيَاقُ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ تَزِيدَ عَلَى سِتٍّ فَقَدْ قَيَّدَ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى سِتٍّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَكَذَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَحْدُ الْكُثْرِ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا بِخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ: إنَّ الْوَقْتِيَّةَ الْمُؤَدَّاةَ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ إكْمَالَ خَمْسِ وَقْتِيَّاتٍ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ السَّادِسَةِ صَارَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً تَدَبَّرْ (وَالْوِتْرُ كَالْفَرْضِ عَمَلًا فَذِكْرُهُ مُفْسِدٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَسُنَّةٌ عِنْدَهُمَا وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ.
(وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِلَا وُضُوءٍ) حَالَ كَوْنِهِ (نَاسِيًا ثُمَّ صَلَّى السُّنَّةَ وَالْوِتْرَ بِهِ) أَيْ بِالْوُضُوءِ (يُعِيدُ السُّنَّةَ لِإِعَادَةِ الْعِشَاءِ) إذْ لَمْ يَصِحَّ أَدَاءُ السُّنَّةِ قَبْلَ الْفَرْضِ مَعَ أَنَّهَا أُدِّيَتْ بِالْوُضُوءِ لِأَنَّهَا تَبَعُ الْفَرْضِ.
(وَلَا يُعِيدُ الْوَتْرَ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَدْ أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ بِطَهَارَةٍ إذْ وَقْتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ لَا بَعْدَهُ وَقَدْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا.
(وَبِبُطْلَانِ الْفَرْضِيَّةِ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِلْفَرْضِ فَإِذَا بَطَلَتْ الْفَرْضِيَّةُ بَطَلَتْ أَصْلًا وَلَهُمَا أَنَّهَا عُقِدَتْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ.
(وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِضِيقِ الْوَقْتِ) عَنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ الْوَقْتُ الْوَقْتِيَّةَ وَالْفَائِتَةَ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُ فِيهِ أَحَدَهُمَا فَقَطْ تُقَدَّمُ الْوَقْتِيَّةُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ وَقْتٌ لِلْوَقْتِيَّةِ بِالْكِتَابِ وَوَقْتٌ لِلْفَائِتَةِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سِعَةٌ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالْأَدِلَّةِ جَمِيعًا وَلَا يَلْزَمُ النَّسْخُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ وَفِي الْوَقْتِ سِعَةٌ وَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى ضَاقَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَشْرَعُ فِيهَا ثَانِيًا فِي ضِيقِ الْوَقْتِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ سِعَةَ الْوَقْتِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ لَمْ تَجُزْ الْوَقْتِيَّةُ وَقِيلَ: جَازَ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ الضِّيقِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ فِي خِلَالِهَا لَمْ تَفْسُدْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَصْلِ الْوَقْتِ وَقِيلَ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ الَّذِي لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا وَالثَّانِي قِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَتَّى أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الظُّهْرُ وَأَمْكَنَ أَدَاؤُهُ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ وَلَكِنْ يَقَعُ كُلُّ الْعَصْرِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ التَّغْيِيرِ لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ عِنْدَهُ وَيَلْزَمُ عِنْدَهُمَا (وَبِالنِّسْيَانِ) تَوَسَّعُوا فِي عِبَارَةِ النِّسْيَانِ هُنَا حَيْثُ أَرَادُوا بِهِ مَا يَعُمُّ الْجَهْلَ الْمُسْتَمِرَّ حَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي: إنَّ مَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ التَّرْتِيبِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَالنَّاسِي كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ لَكِنَّ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا (وَبِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا) لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحَرَجِ وَالْكَثْرَةُ تَحْصُلُ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَالدُّخُولُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ يَحْصُلُ بِكَوْنِ الْفَوَائِتِ سِتًّا وَذَا يَحْصُلُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَاكْتَفَى مُحَمَّدٌ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (حَدِيثَةً أَوْ قَدِيمَةً) الْحَدِيثَةُ تُسْقِطُ التَّرْتِيبَ اتِّفَاقًا وَفِي الْقَدِيمَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَذَلِكَ كَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ شَهْرٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْوَقْتِيَّاتِ قَبْلَ قَضَائِهَا فَفَاتَتْ صَلَاةٌ مِنْهَا ثُمَّ صَلَّى أُخْرَى ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ آنِفًا قِيلَ: تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ وَتُجْعَلُ الْقَدِيمَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ قَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ: الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ.
وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالثَّانِي أَحْوَطُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: وَالْإِفْتَاءُ بِالْأَوَّلِ أَوْلَى لِأَنَّ التَّهَاوُنَ فِي الْعِبَادَاتِ فَاشٍ بَيْنَ الْعِبَادِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ: الْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَالْفَتْوَى عَلَى الثَّانِي (وَلَا يَعُودُ) التَّرْتِيبُ (بِعَوْدِهَا) أَيْ بِعُودِ الْفَوَائِتِ (إلَى الْقِلَّةِ) يَعْنِي لَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ حَتَّى قَلَّ مَا بَقِيَ لَا يَعُودُ التَّرْتِيبُ هَذَا مُخْتَارُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: يَعُودُ التَّرْتِيبُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُوَافِقُ إطْلَاقَ الْمُتُونِ.
(فَمَنْ تَرَكَ سِتًّا أَوْ أَكْثَرَ وَشَرَعَ يُؤَدِّي الْوَقْتِيَّاتِ مَعَ بَقَاءِ الْفَوَائِتِ ثُمَّ فَاتَهُ فَرْضٌ جَدِيدٌ فَصَلَّى وَقْتِيَّةً بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَرْضٍ جَدِيدٍ (ذَاكِرًا لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْفَرْضِ الْجَدِيدِ (صَحَّتْ وَقْتِيَّتُهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ حَدِيثَةً أَوْ قَدِيمَةً كَمَا بَيَّنَ آنِفًا.
(وَكَذَا لَوْ قَضَى تِلْكَ الْفَوَائِتِ إلَّا فَرْضًا أَوْ فَرْضَيْنِ فَصَلَّى وَقْتِيَّةً ذَاكِرًا) مَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِتِ الْقَلِيلَةِ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَعُودُ بِعَوْدِهَا إلَى الْقِلَّةِ.
(وَلَا يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا مَا لَمْ يَجْحَدْ) لَكِنَّ مُنْكِرَهَا كَافِرٌ لِثُبُوتِهَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي لَا احْتِمَالَ فِيهَا لِلرَّيْبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَتَارِكُهَا عَمْدًا تَكَاسُلًا فَاسِقٌ يُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَقِيلَ: يُضْرَبُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ وَلَوْ كَانَ التَّارِكُ صَبِيًّا وَسِنُّهُ عَشْرُ سِنِينَ لَوَجَبَ الضَّرْبُ عَلَى تَرْكِهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ» وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ فَاعِلِهَا بِالْجَمَاعَةِ وَلَا تَجْزِي فِيهَا النِّيَابَةُ أَصْلًا.
(وَلَوْ ارْتَدَّ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (عَقِيبَ فَرْضِ صَلَاةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَلَا يَلْزَمُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَانَ الرِّدَّةِ) يَعْنِي إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ عَلَى رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِيهَا مِنْ الْفَرَائِضِ عِنْدَنَا وَيَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
(وَلَا) يَلْزَمُ (قَضَاءُ مَا فَاتَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ جَهِلَ فَرْضِيَّتَهُ) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَمَكَثَ زَمَانًا ثُمَّ عَلِمَ بِهِ لَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالشَّرَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا دَارُ الْعِلْمِ وَشُيُوعُ الْأَحْكَامِ فَلَا يَكُونُ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ الْعِلْمِ وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُهُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ.